أحداث أسيف / الصحافة وأزمة المصداقية و السعي الى جذب انتباه الجمهور



نشأت أزمة المصداقية الاتصالية Credibility Crisis، أو فجوة المصداقية الإعلامية، كرد فعل لزيادة عدد الرسائل الإعلامية، التي تبثها وسائل الأعلام العديدة، وزيادة كمية المواد الإعلامية المدمرة (سياسياً واجتماعياً وأخلاقياً)، والتي تسعى إلى جذب انتباه جمهور أكثر.
وتلخصت أزمة المصداقية الاتصالية، منذ نهاية الخمسينيات، في التساؤلات التالية:
ماذا نصدق؟ وأي من الرؤى ووجهات النظر العديدة أصح ؟ وهل هذا الانتشار الهائل للمعلومات يساعد على أن نعيش حياة أفضل، ونتفاعل، بشكل أكثر إيجابية، تجاه الآخرين؟ ونهتم بشكل أفضل بالعالم حولنا، ويجعلنا ننمو، وننضج، بشكل أقل إحباطاً؟
ومما يزيد من خطورة ما سبق، إن وسائل الاتصال والإعلام قد تجعلنا نعيش، في جو من الحلم، أو الأمل، أو التوقع للأحسن، وقد لا يتحقق معظم توقعاتها، فنُصاب بثورة من الإحباط واليأس المدمر، أو تجعلنا نعيش في عالم من الوهم، والشعارات المزيفة، التي تجعلنا في حالة من التخدير النفسي والتنويم، لا نفيق منها إلاّ على حدث ضخم، اقتصادي أو سياسي يجعلنا نقرر حقيقة هي: إن ما قُدم لنا كان غير صادق، وغير حقيقي، وغير موثوق فيه.

مصداقية الصحافة
المصداقية تعني ببساطة المؤشرات التي تحدد صدق المضمون الصحفي من كذبه، ويعتبرها البعض البديل العملي للمسؤولية الصحفية (اُنظر ملحق  مسؤولية الصحافة).
ويتوسع البعض، مثل محمد ماهاتير، في مفهوم مصداقية الصحافة، فيحدد له الأبعاد الثلاثة التالية:
أولاً: مصداقية القائم بالاتصال ( المحرر أو المذيع أو المخرج التليفزيونى مثلاً)، وتشمل:
1. عدم التسرع في نشر الحقيقة.
2. العمل لصالح الحقيقة، وليس لصالح الحكومة أو الجريدة.
3. نشر الحقائق بطريقة مباشرة، وليس بالإشارة أو التلميح.
4. مراعاة العرف والتقاليد في نشر الحقائق.
5. عدم المساس بالحياة الشخصية للآخرين، أو نشر الفضائح.
6. البعد عن الأخبار الكاذبة، والقصص الملفقة، حتى لو كانت موافقة لأغراض رئيس التحرير، وسياسات الدولـة.
ثانياً: مصداقية المضمون وتشمل:
1. وضوح الرسالة حتى في أوقات الخطر.
2. اليسر والسهولة، في تناول الحقائق.
3. نشر الحقائق، بكل أبعادها السلبية.
4. الدقة في تناول الخبر.
ثالثاً: مصداقية الوسيلة وتشمل العناصر التاليـة:
1.اعتماد الصحيفة على كتاب موثوق فيهم.
2.    تعبير الصحيفة عن هموم واحتياجات الشعب.
وفي دراسة ميدانية عام 1996 يحدد الممارسون، في الصحافة المصرية، المفاهيم المتعددة التي تكون معنى مصداقية الصحافة، ومن أهمها:
1. إن مصداقية الصحافة تعني أمرين:
الأول: مصداقيتها بالنسبة إلى القارىء، والثاني مصداقيتها بالنسبة إلى صانع القرار عموماً، حيث تعني الجوانب التالية:
·        مدى دقة المعلومات وصحتها، التي تنشرها الجريدة، ومدى موضوعية صاحب الرأي فيها؛ لأن الخبر معياره الدقة، والرأي معياره موضوعية الكاتب، أو صاحب القلم.
·        مدى شمولية التغطية الصحفية، في عرض وتقديم مختلف جوانب الحقيقة، بمعنى أنه من الممكن أن تقتصر بعض الصحف، في تغطيتها للأخبار، على ما يجري في بلاد أخرى، وتسكت عما يجري في بلادها.
والثاني: مصداقيتها، بالنسبة إلى صانع القرار، أو مصدر الأخبار، حيث تعني القدرة على معرفة ما يجري بالنسبة إلى الشعب أو الجمهور أو المستهلك. أي، إلى أي مدى يستفيد صانع القرار من انعكاسات ما يجري في الصحف في إصدار قراره ؟ وهل يأخذ ما رآه ويضعه، موضع الاعتبار، أم يعده مجرد شوشرة ونقد مغلوط ؟ ففي كثير من الدول يستخدم صانع القرار ما تنشره الصحف في قياس اتجاهات الجماهير أو الرأي العام في قضايا أو مصالح أو أشخاص أو مشروعات بهدف اتخاذ القرار السليم أو الموقف الصحيح.

2. إن مصداقية الصحافة تعني

·        التوازن في عرض الرأي والرأي الآخر، أثناء التغطية الصحفية الشاملة.
·        الدقة في مراجعة المادة الصحفية، قبل نشرها، بحيث تصبح الدقة من السمات الواضحة للصحيفة.
·        وضوح الأفكار والاتجاهات، في الموضوعات، والقضايا، والأشخاص، والأحداث.
·        إسناد الكلام لمصدره، مع الثقة في هذا المصدر.
·        محاولة التجرد، من العمل، لصالح جهة بعينها، وعدم تبني وجهة نظر تلك الجهة، وعدم اغفال أو تجاهل وجهات النظر الأخرى.
·        عدم إخفاء أو حجب أي معلومة عن القارئ.
·        الأمانة والعدل، في نقل الأخبار للناس.
·        تعدد المصادر.
·        مراعاة الصحفي لضميره.
·        تقديم الحقيقة وتأكيدها من خلال إظهار الباطل.
·        ثقة القارئ في صدق ما تقوله الصحافة، ولا يتأتى ذلك إلاّ بالحرية؛ لأنه من الصعب أن يثق القارئ في صحافة غير حرة، حتى لو كانت صحافة بلاده.
ويضيِّق بعض الباحثين، ومنهم، عزة عبدالعزيز عبداللاه، مفهوم المصداقية بحيث يقصره على مصداقية المادة الصحفية فقط، على النحو التالي:
"مصداقية الصحافة هي نوع من المعالجة المهنية والثقافية والأخلاقية للمادة الصحفية، بحيث يتوافر فيها كل أبعاد الموضوع، والاتجاهات المطروحة حوله، بطريقة متوازنة تستند على شواهد وأدلة، ودقة، في عرض الموضوعات، وفصلها عن الآراء الشخصية، التي ينبغي أن تعلن بوضوح وصراحة، وتتجرد من الأهواء والمصالح الخاصة، بحيث تتسق مع الآراء الأخرى، التي تطرحها الصحيفة، أو يطرحها الكاتب، في وقت آخر، أو موضع آخر، وذلك في إطار من التعمق والشمولية، يراعي علاقة الخاص بالعام، وربط الجزء بالكل، شرط أن تعكس هذه المادة الصحفية أولويات الاهتمام عند الجمهور".

كيف نقيس المصداقية؟

ثمة أربعة مقاييس لدراسة المصداقية في الإعلام، بصفة عامة، وهي:

1. المقياس اللغوي

بمعنى أن وضوح اللغة، في التعبير، يعد عاملاً حاسماً في صدق الرسالة الإعلامية، بينما يؤكد غموض اللغة في الرسالة الإعلامية في معظم الأحيان، عدم المصداقيـة.

2. المقياس الأيديولوجي

بحيث لا تحجب النظرة الأحادية بقية الأبعاد، فتصبح الواقعة، أو القضية، أو الظاهرة غير واضحة، بسبب غيبة بقية الأبعاد، التي تجلي الواقعة، أو القضية، أو الظاهرة، وتزيدها وضوحاً ومصداقية.

3. مقياس عدم المعرفة، أو جزئية المعرفة

ويرتبط هذا المقياس بجهل القائم بالاتصال، أو عدم معرفته للموضوع، الذي يكتب عنه، حتى ولو كان خبراً صغيراً.
4. مقياس التزوير
وهو يمثل جانب الجريمة المباشرة، في المنطلقات الأساسية، لدراسة المصداقية في إعلام أي مجتمع من المجتمعات، وفي أي نوع من الإعلام.

0 التعليقات :