''الهاضاضاي كفن''

بعدما عثرت على سلسلة مقاطع غنائية لزعيم 'الهاضاضاي' انهمكت في الانصات إليها , كان رد فعلي منها هو محاولة التقيؤ و الاشئمزاز

بجانب بوابة الثانوية التي أدرس بها , أقف مرابطا هناك و منهمكا مع سيجارتي الرخيصة التي تصبح كالذهب الاسود في أيام "الزلط" , بعد حصة ساخنة عند أستاذ الفلسفة كان موضوع نقاشها حول الاخلاق و الواجب في علاقته بالمجتمع , لا زال اللاشعور لدي منشغلا بتفكيك الافكار و ما تطاير من مواقف منها ما نسب لكانط  و ما ارتبط بزعيم السوسيولوجيا دوركايم , فجأة أجد في جانبي الاخر احد التلاميذ يرقص لذاته و يتشدق بأغنية ينصت إليها , كنت أعتقد أنها شذرات البيتلز أو أفيون البلوز الذي يجوب عبر السيالات العصبية بكل عنفوان , أو فسحة في عالم الفلامينكو , و لكنه بعد برهة من الزمن بدأ يردد لازمة تلك الاغنية التي اعتبرتها من الغرابة ما كان ألا و هي "هاضاضاي نتي ماشي بحالهم" , ستون ألف مطرقة بدأت تطن داخل رأسي حول هذه الاغنية "الكارثة" , في احد الزوايا المجاورة للثانوية وجدت مجموعة من ابناء قسمنا مجتمعين يناقشون ما دار في حصة الفلسفة , بعدما أخذت مكانا إلى جانبهم طرحت عليهم ما شاهدته عيناي و ما سمعته أذناي , أطلقوا العنان للضحك و طرحوا علي السؤال "هل أنت معنا بالمغرب أم تقطن بغانا ؟" ليكمل أحدهم قائلا بأن تلك الاغنية هي من أشهر الاغاني حاليا و بأن صاحبها نال وساما ملكيا كمكافأة له حول عمله , بعدها بدأ الدوار يلف رأسي لأذهب بعدها إلى أقرب مقهى أنترنيت, أشعلت الحاسوب لاقتحم عالم اليوتوب , بعدما عثرت على سلسلة مقاطع غنائية لزعيم 'الهاضاضاي' انهمكت في الانصات إليها , كان رد فعلي منها هو محاولة التقيؤ و الاشئمزاز , لأنها مقاطع فارغة من أي مضمون و الطبيعة بطبعها تخشى الفراغ , و لكن التساؤل ظل مرابطا داخل رأسي , في غياب المحتوى أو المضمون.....ما الدافع وراء اقبال شبابنا على مثل هذه الرداءة الفنية او الانحطاط الفني ؟ تركت العالم بطبعه الافتراضي و اتجهت صوب العالم الواقعي الملموس , اعين ترى و مخيلة تحلل , شبابنا يتناول القمامة و يرضاها أكلا له رغم محتواها العفن , لهذا اصبح لا يعرف عن ناس الغيوان سوى "تسريحة الهيبيز" و لا يستوعب من اغاني مارسيل خليفة و فيروز سوى انها مجلبة للنوم .

إن الفن حينما يغيب عنه الطابع الواقعي او بمعنى الالتزام بقضايا المجتمع و انعكاس المضمون الفني باعتباره صورة للواقع المجتمعي , فإنه يصير هلاميا أو يخدم توجهات نقيضة تكرس لثقافة تضليلية تغطي ما يجري في الواقع , فمثل هذا المقطع الغنائي الذي يتهافت عليه الكل بل و حتى الملك قدم بسببه وسام في لامنطقية صارخة , يأتي في أبرز مقاطعه كلمة (نتي ماشي بحالهم...) , إذا حللنا الطابع المضاميني لهذه القولة إضافة إلى سياقها العام يتبين على انها تساهم في تعميق أزمة الفتاة و المرأة من داخل المجتمع , بحيث أنه من ابرز مظاهر الازمة ان الحب كقيمة اخلاقية اصبح وسيلة من غاية ذنيئة ألا و هي استغلال الانثى جنسيا و التباهي بالفحولة و الرجولة و لو على حساب ستين فتاة و هذا النمط هو السائد حاليا في مجتمعاتنا , اموال طائلة تصرف على مثل هذه الاغاني و التي لا تزيد سوى تعميقا لأزمة الاكتساب الثقافي خصوصا وسط الشباب اضافة إلى غياب مادة غنائية تحتك بالواقع و همومه ما عدى اذا استثنينا بعض الاعمال في موسيقى الراب التي تنتقد الدولة بمؤسساتها و سياساتها و التي لا طالما , يتم التطبيل ل"فن الهاضاضاي" و يتم محاصرة الفن الذي يحتك بالواقع و همومه و ينتقده , يجب إعادة النظر في المواد الغنائية التي يتم الترويج لها , ترويج ما يمكن ان يزرع روح الابداع و النقد الحقيقي لدى شباب المغرب و ليس ما يقتل فيهم الذوق و الحياة و يجعلهم قطيعيين و غرائزيين.


عبد الله المستعين
الجديدة 5/05/2016

هناك تعليق واحد :

  1. تحية ليك الأخ عبدو نقد بناء ويفرغ مثل هده الأغاني من الواقعية ويجرّد المجتمع من المنطق
    تجاه الفن

    ردحذف